الحجاب
هل هو تقييد لحرية المرأة ؟ ام حفظ لحقوقها ؟
يتحدث فضيلة الشيخ الشعراوي في احد كتبه " المرأة في القرآن الكريم "عن ارتداء المرأة للحجاب في فصل كامل بعنوان الحجاب والنقاب
: ويقول
سألتني صحفية انجليزية : لماذا يمنع الدين
الاسلامي المرأة من ان ترتدي ما تشاء ؟ لماذا يقيد حريتها في ان تختار ثيابها وتردي
ما تحب ؟ أليست هذه حرية شخصية للمرأة ؟
قلت : قبل ان اجيب عن هذا السؤال , لابد
ان نتفق على نقطة هامة .. هي ان الانسان الذي يعيش في مجتمع ما يسمى بالحرية المطلقة
. لابد ان تكون حريته حرية نسبية , لا تتعدى على حريات الآخرين , وبعيدآ عن مخالفة
الدين وتعاليمه .
هل تستطيعين انت ان تفعلي ما تريدين ؟ اذ اردت ان تمشي في الطريق العام بدون
ملابس على الاطلاق .. فهل يمكنك ذكلك بدعوى انك حرة تفعلين ما تشائين ؟!
اذ اردت ان تستمعي الى موسيقى عالية بعد
منتصف الليل .. فهل تستطيعين ان تستمعي الي الراديو في اعلى صوت ؟ او اذا اردت ان تصلحي
شيئآ في منزلك والناس نيام .. فهل تستطيعين احضار النجار او النقاش ليفعل ما يشاء ؟
.
هل تستطيعين اذا دخلت احد المحال او البنوك
ووجدت صفآ طويلآ من الناس يقف .. هل تتجاهلين
الصف وتكونين اول الوقفين ؟ .
هل تستطيعين ان تتركي سيارتك وسط الطريق
او في مكان ممنوع فيه الانتظار لأنك حرة , ومن حريتك ان تضعي سيارتك في المكان الذي
تريدينه ؟ بل هل تستطيعين ان ترتكبي فعلآ فاضحآ امام الناس لان ذلك من حريتك ؟
وأستطيع ان امضي الى الوف الأمثلة .. لأنه
لا يوجد شيء اسمه الحرية المطلقة في اي مجتمع من
المجتمعات , ولكنها حرية نسبية .. تعطيك
من التصرف الذي تريدينه ما ليس فيه اعتداء على حرية الآخرين . فإذا حدث اعتداء على هذه الحرية , فإن المجتمع يتدخل ليوقفك عند حدًك قائلآ : هذا ليس من حريتك
لأنك اعتديت على حرية الآخرين .
الطريق الوحيد لكي تتمتعي بالحرية المطلقة
.. هو أن تذهبي الى مكان لا يعيش في احد .. مكان تعيشين فيه وحدك .. دون ان يكون فيه
آخرون .. حينئذ تستطيعين ان تتمتعي بحريتك كما تشائين . فمادام لا يوجد احد حولك ,
ولا احد من الناس يراك .. فإنك تستطيعين ان تفعلي ما تشائين .
هذا بعيد عن منطق الدين وبعيد عن منهج السماء , فإذا كان هذا هو منطق
الحياة في الكون .. فكيف تريدين من منهج الله ان يخلق مجتمعآ من الفوضى الذي يضيع
فيه كل شيء ؟
الله - سبحانه وتعالى – يقول في القرآن الكريم :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} سورة الاجزاب
ويقول - جل جلاله - في كتابه العزيز :
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } النور
هذا هو حكم الله – سبحانه وتعالى – بالنسبة للمرأة , وهو اخفاء الزينة
التي تلفت الأنظار .
وبداية احب ان اقول : ان من اختار الدين .. فعليه أن يتقبل احكام هذا
الدين , حتى ولو
كانت هذه الأحكام تقيد حريته في أفعل ولا تفعل . لأن تقييد الحرية
هنا .. هو لخير
الإنسان وليس شرآ له ..
إن هذه الأحكام جاءت من الله – سبحانه وتعلى – وهو أعلم بنا من أنفسنا
. فإذا كانت
تقييد حركتنا , فهي تعطينا الخير , وتُذهب عنا السوء فلا يوجد دين بلا
منهج .. إلا أن يحاول الإنسان أن يرضى غريزة التدين فيه , وفي الوقت نفسه يفعل ما
يشاء .. فيعبد الأصنام أو الشمس أو غير ذللك مما لا يقيده بمنهج في الحياة , فيخلص
نفسه من تعاليم الله ليفعل ما يشاء , وفي هذه الحالة يكون قد كفر والعياذ بالله ..
لأنه لا يريد منهجآ سماويآ يقيد حريته .
والمرأة التي تتضرر من الحجاب بزعم انه يقيد
من حريتها بستر ما امر الله من
صفاتها . عليها ألا تعترض على منح هذه الحرية
لغيرها .. فإن اباحت لنفسها ان تتزين وتكشف عن مفاتنها لتجذب انسانآ وتفتنه .
فعليها ألا تعترض اذا سُرق زوجها منها بفعل فاتنة , فمادامت قد اباحت لنفسها ذلك
فلا تلومن إلا نفسها .
إن الهدف هو صيانة المجتمع كله من الفتنة ,
وإبقاء للاستقرار والأمن بالنسبة للمرأة ..
حتى لا يخرج زوجها من بيته وهي لا تعلم
هل ستفتنه امرأة اخرى فيتزوجها أم انه
سيعود إالى بيته ؟
إن الله –سبحانه وتعالى- قد وضع من القواعد
والضوابط ما يمنع الفتنة للمرأة والرجل
حفاظآ على استقرار الأسرة وأمنها وأمانه ,
وحرم أي شيء يمكن أن تكون فيه فتنة
من امرأة لرجل غريب عنها , وذلك حرم إبداء
الزينة إلا لمحارم امرأة .. فقال تبارك وتعالى :
{ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ }
وهؤلاء الذين ذكرهم الله - تبارك وتعالى - في هذه الآية الكريمة هم محارم المرأة
التي لا تحرص على إبداء زينتها امامهم , وحتى اذا فعلت .. فإن هذةه لا تثير في نفوسهم اية شهو .. إما لأنهم لم يبلغوا السن التي يحسون فيها بالشهوة , وإما أنهم تعدوا
هذه المرحلة تمامآ . بل إن الله -سبحانه وتعالى - حرم على النساء أن يضربن
بارجلهن كنوع من التحايل لإظهار الزينة التي اخفتها الثياب , وذلك بتعمد اهتزاز الجسم لتظهر مفاتنها .. وقال الحق - جل جلاله :
{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
كل هذا قد يفهمه البعض على انه تقييد لحرية المرأة , ولكنه في الحقيقة حماية لها
لو أن الله -سبحانه وتعالى - لم يفرض الحجاب , لكان على المرأة أن تطالب به لأنه
اكبر تأمين لها ولحياتها .